On the Qur’an and Authority | عن القرآن والسلطان

On the Qur’an and Authority | عن القرآن والسلطان

By Ali Mabrouk*

In this article, professor Ali Mabrouk describes how the Qur’an was transformed from a text open to the full range of human inquiry and participation into an instrument of political authority by an elite. He describes how the Qur’an itself was subjected to the dispute between Sunni and Shi’a, and how the Umayyad and Abbasid Caliphs used the Qur’an to endow themselves with divine authority. This politicization made the text closed and its interpretation both fixed and absolute. Mabrouk argues that the first step in “re-opening” the Qur’an is de-politicizing it. (EE)

لم تترك السياسة شيئاً إلا وتلاعبت به، وقامت بتوجيهه لخدمة ما تريد وتشتهي؛ وإلى حد أن القرآن لم يفلت، على جلاله وتساميه، من هذا المصير. وبالطبع، فإنه يلزم التأكيد على أن هذا التلاعب لم يتحقق- على الرغم مما يجري تداوله من التنازع بين السنة والشيعة- من خلال التغيير والتزوير؛ بل من خلال ما جرى من تثبيت طرائق بعينها في تصوره والتعامل معه. ومن ذلك مثلاً ما جرى من “تصوره” على النحو الذي جعله أحد الساحات الرئيسة لإنتاج هذه الأطلقة؛ وكان ذلك عبر التعالي به من وجودٍ من أجل الإنسان، إلى وجودٍ سابقٍ عليه، ومن تركيبٍ تبلور في العالم إلى كينونة ذات حضورٍ مكتملٍ سابقٍ في المطلق. ولقد ترافق هذا التحويل، بدوره، مع تحولات مسار السياسة في الإسلام من ممارسة “مفتوحة” إلى ممارسة “مغلقة”؛ وبكيفية تحول معها من القرآن الذي كان مركزه وقطبه هو “الإنسان”، إلى القرآن الذي استعمره، واحتكره “السلطان”. إذ يجب تذكُّر أن التحول في مسار السياسة من “خلافة الشورى” (مع أبي بكر) إلى “المُلّك العضود” (مع معاوية) قد تلازم مع الانتقال من القرآن الذي “لا ينطق بلسان، وإنما ينطق عنه الإنسان”- بحسب قول الإمام “عليّ بن أبي طالب” الذي لا يعني إلا أن الإنسان يدخل في تركيب القرآن- إلى القرآن أمسك به السلطان، وراح يتصوره ناطقاً بدلالة مطلقة، مُقرناً له بالسيف، ليحسم به معركة السياسة.

(alimabrouk.blogspot.com)

(alimabrouk.blogspot.com)

والحق أن نظرة على الطريقة التي جرى التعامل بها مع لغة القرآن، لتكشف عن التحولات في مسار الصراع السياسي. فإذ يورد السجستاني، في كتاب المصاحف، أنه “لما أراد عمر أن يكتب (المصحف) الإمام أقعد له نفراً من أصحابه، وقال: إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن قد نزل على رجلٍ من مضر”، فإن الأمر قد اختلف مع عثمان الذي يُروى عنه أنه قال: “إذا اختلفتم في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلغة قريش، فإن القرآن أُنزل بلسانهم”. وللغرابة، فإن هذا التحول من “لغة مضر” إلى “لغة قريش” قد ترافق مع ما كان يتنامى في ساحة السياسة- وعبر عن نفسه صريحاً مع عثمان- من اعتبارها (أي السياسة) شأناً قرشياً خالصاً، بعد أن كانت قبله ساحة مفتوحة يشاركها فيها غيرها. ولعل دليلاً على هذا التحول- في السياسة- يأتي مما أورده الطبري، في تاريخه، عن المنازعة التي جرت وقائعها حين اجتمع “عبد الرحمن بن عوف” إلى من “حضره من المهاجرين وذوي الفضل والسابقة من الأنصار، وأمراء الأجناد” ليختاروا الخليفة من أهل الشورى الذين عينهم “عمر” قبل موته. فقد “قال له عمار (بن ياسر): إن أردت ألا يختلف المسلمون، فبايع عليَّاً، فقال المقداد: صدق عمار؛ إن بايعت عليَّاً قلنا: سمعنا وأطعنا. وقال (عبد الله) بن أبي سرح: إن أردت ألا تختلف قريشاً، فبايع عثمان، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدق؛ إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا. فشتم عمار بن أبي سرح، وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟….فقال رجلٌ من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سمية (يعني عمار)، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها”. ولعل كون الرجلين المتنازع عليهما (عليّ وعثمان) من قريش، هو ما يجعل القصد من عبارة الرجل المخزومي لابد أن يتجاوز ما يمكن فهمه منها من وجوب “قرشية” من في الحكم، إلى أن الأمر يتعلق باستبعاد كل من سوى القرشيين من حق المشاركة في تعيين الحاكم ونصبه؛ وبحيث تصبح السياسة احتكاراً قرشياً خالصاً لا شأن لغيرهم به.

إن ذلك يعني، وبلا أدنى مواربة، جواز القول بأن الانتقال من “لغة المسلمين”، على تعدد قبائلهم، إلى “لغة قريش” وحدها، إنما يعكس تحولاً كان يجري في مسار السياسة من كونها شأناً عاماً يخص “المسلمين” جميعاً، إلى كونها شأناً يخص “قريش” وحدها؛ أو يخص- حتى- مجرد بيتٍ من بيوتها بحسب ما سيجري لا حقاً، مع بني أمية وبني العباس. لكنه، وبالرغم من هذا التضييق النازل من “لغة القبائل” إلى “لغة قريش”، فإنه يبقى أنها تظل- في الحالين- من قبيل اللغة ذات الأصل الإنساني؛ وهو الأمر الذي سرعان ما سيختفي تماماً مع اعتبار لغة القرآن هي ألفاظ و”كلام الله”، بدل أن تكون هي لغة الإنسان. وبالطبع فإن هذا التحول من “لغة الإنسان” إلى “كلام الله”، إنما يعني بلوغ صيرورة “الأطلقة”- التي كانت تعني تسييد المطلق “إلهاً” في المجرد، و”حاكماً” في المتعيِّن- إلى تمام الذروة والاكتمال. وهكذا، فإن ما يفسر ما حصل من التعالي بالقرآن (لغة وتاريخاً وماهيةً) من الأرض إلى السماء، هو ما جرى من صعود المسلمين (سنة وشيعة) بخلافات السياسة من الأرض إلى السماء. والغريب، هنا، أن أهل السنة كانوا- وليس الشيعة- هم الذين بدأوا التعالي بالسياسة من الأرض إلى السماء؛ وكان ذلك تحديداً حين رفض عثمان بن عفان ترك السلطة، نزولاً على طلب الثائرين عليه، محتجاً بالقول: “كيف أخلع قميصاً ألبسنيه الله”؛ فكان تقريباً أول من بدأ التعالي بأصل سلطته إلى السماء.وبالطبع فإن ما سيمضي إليه الشيعة، لاحقاً، من اعتبار تعيين الإمام ونصبه هو أمرٌ من اختصاص السماء، لن يكون إلا محض ترجيع لهذا التقليد الذي دشنه الخليفة الثالث؛ عثمان.

ولعل ما يدعم هذا التوازي بين التعالي بالقرآن والتعالي بالسياسة، هو ما يبدو من أن التعالي بالقرآن كان قد ترافق مع سعي البعض، من الحكام المتأخرين على حقبة الخلافة بالذات، إلى التعالي بسلطتهم إلى مقامٍ ينفلتون فيه من أي حسابٍ أو مساءلة. وهنا، فإنه لم يكن ثمة ما هو أنسب من أن يخفي “الحاكم” نفسه وراء “القرآن”؛ الذي كان لابد- لذلك- من رفعه إلى السماء؛ لكي يكتسب، بدوره، (أعني الحاكم) رفعة الكائن السماوي. ولعل هذه العملية من التقنُّع بالقرآن، هي التي ستقف وراء تبلور المأثور القائل: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. فإذ تكشف مفردات “الوازع” و”السلطان” المستخدمة في المأثور عن تبلوره المتأخر، في حقبة شاع فيها استخدام تلك المفردات (لعلها الحقبة السلطانية)، فإن في ذلك ما يسند دعوى أن “أطلقة” القرآن كانت قناعاً يُراد منه التستر على “أطلقة” السلطان. فإذ المأثور لا يستحضر من السلطان، إلا أنه أداة الله في الحكم- الذي هو الوازع- فيما لم يَرِدُ فيه حكم القرآن، فإن في ذلك ما يقطع بأن الأمر يتعلق ببناء السلطة، على النحو الذي تكون فيه متعالية ومطلقة؛ وأعني من حيث أن حكمه يكون- والحال كذلك- هو حكم الله. لكنه يبقى وجوب التأكيد على حقيقة أنه إذا كان السلطان قد كسب، بهذا التعالي، إطلاق سلطته، فإن ما ألحقه هذا التعالي بالقرآن من الضرر كان كبيراً؛ وذلك من حيث ما تآدى إليه من إطفاء أنواره، وإهدار خصوبته، بسبب ما فرضه عليه من إسكات صوته، وتجميد دلالته….ومن هنا وجوب السعي إلى تحرير “القرآن” من قبضة “السلطان”.

* Ali Mabrouk is Professor of Islamic Philosophy at the University of Cairo, Egypt. This blog post was first published in Al-Ahram, April, 18, 2013. To read more of Ali Mabrouk’s work,visit the following links [1] [2].

© International Qur’anic Studies Association, 2013. All rights reserved.