By Ali Mabrouk
Professor Mabrouk examines the broad, semantic use of the terms islām/muslim in the Qur’an (eg. 3:19; 31:22) and argues that they apply to followers of all prophets and no one particular prophet. He also distinguishes it from the narrower, popular use of those terms in subsequent history to include only followers of Muhammad alone. Favoring the latter over the former, as is the case today, abandons the Qur’an’s original intent behind the terms, and it has created serious political problems. (EE)
إذا كان المقال السابق قد كشف عن الحضور الطاغي لفعل القراءة، حتى في حال إكتفاء المرء بمجرد ترديد “آيات” القرآن، فإنه يلزم التأكيد على أن القرآن يصبح، عبر هذا الفعل، موضوعاً لضروبٍ من التوجيه (الناعمة والغليظة) التي لا تكون– في غالب الأحوال– موضوعاً لوعي الممارسين لها. ويتحقق هذا التوجيه ليس فقط عبر إنطاق وإسكات دلالات بعينها ينطوي عليها القرآن، بل وعبر ما يبدو وكأنه إبدال الدلالات التي فرضها “التاريخ” بتلك التي يتضمنها “القرآن“. ولعل مثالاً على هذا الضرب الأخير من التوجيه، الذي يجري فيه إستبدال دلالة التاريخ بدلالة القرآن، يأتي من قراءة آية قرآنية تنشغل بتعيين معنى المسلم والإسلام، وبما لذلك من تعلُّقٍ مباشر بمسألة “عدم جواز ولاية غير المسلمين“؛ وأعني بها قوله تعالى: “إن الدين عند الله الإسلام“. فالدلالة المستقرة، في وعي الجمهور، للآية تنبني على أن معنى “الإسلام” ينصرف إلى ذلك الدين الذي إبتُعِثَ به النبي الكريم (محمد عليه السلام)؛ وبما لابد أن يترتب على ذلك من أن المسلمين هم– وفقط– أتباع هذا النبي الكريم. ولسوء الحظ، فإن هذه الدلالة التي إستقرت، في وعي الجمهور، للفظتي “إسلام/مسلمين“، تمثل تضييقاً أو حتى نكوصاً عن الدلالة التي يقصد إليها القرآن خلال إستخدامه لكلتا اللفظتين. بل إن إختباراً لهذا الإستخدام القرآني يكشف عن أن هذه الدلالة المستقرة للفظتي “إسلام/مسلمين” تكاد أن تكون قد تبلورت– وتطورت– خارج القرآن، على نحو شبه كامل. وإذن، فإنها تبدو أقرب ما تكون إلى الدلالة الإصطلاحية، التي تمتزج فيها المقاصد الواعية وغير الواعية لمن إصطلحوا عليها؛ وعلى النحو الذي تعكس فيه عناصر تجربتهم التاريخية، ولو كان ذلك على حساب القرآن ذاته. وضمن هذا السياق بالذات، فإن التمييز يبدو ملحوظاً، لا تخطئه عين القارئ المدقق، بين هذه الدلالة الإصطلاحية، وبين الدلالة السيمانطقية التي تغلب على التداول القرآني لكلتا اللفظتين.
فإذ تنبني الدلالة الإصطلاحية على صرف معنى لفظة “مسلمين“، مثلاً، إلى أتباع النبي محمد (صلعم) فحسب، فإن الدلالة السيمانطقية، الغالبة على الإستخدام القرآني لتلك اللفظة ذاتها، لا تقصر المعنى على هؤلاء فقط، بل تتسع به ليشمل غيرهم من أتباع الأنبياء السابقين أيضاً. وهكذا، فإن اللفظة “مسلمون/مسلمين” قد وردت، في القرآن، حوالي ستٍ وثلاثين مرة، إنطوت فيها، في الأغلب، على دلالة تسليم المرء وجهه لله، من دون أن يكون ذلك مقروناً بإتباع نبيٍ من الأنبياء بعينه. بل إن بعض الآيات يستخدم لفظة “مسلمون/مسلمين“، صراحة، للإشارة إلى من هم من غير أتباع النبي محمد (صلعم). ومن ذلك، مثلاً، إشارته إلى بني يعقوب بإعتبارهم من المسلمين؛ وذلك في قوله تعالى: “أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، إذ قال لبنيه: ما تعبدون من بعدي، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون” البقرة: 133. والحق أن المرء يكاد يلحظ أن القرآن يكاد، على العموم، أن يصرف دلالة اللفظة إلى فعل “التسليم لله“، وذلك فيما تلح الدلالة الإصطلاحية على صرف الدلالة إلى فعل “الإتباع لنبيٍ” من أنبياء الله بالذات. وتبعاً لذلك، فإنه إذا كان غير المسلم هو– بحسب دلالة الإصطلاح المستقرة، في وعي الجمهور– كل من لا يتبع دين النبي محمد (صلعم)، فإنه، وبحسب الدلالة المتداولة في القرآن، هو كل من لا يُسلِم وجهه لله؛ وبما لابد أن يترتب على ذلك من أن كل من يُسلِم وجهه لله حقاً، هو من المسلمين، حتى ولو لم يكن متبعاً لدين النبي الخاتم. وإذ يفتح ذلك الباب أمام إدخال البعض ممن يُقال أنهم من غير المسلمين إلى دين الإسلام، إبتداءاً من تسليمهم الوجه لله، فإنه سوف يفتحه بالمثل أمام إخراج الكثيرين ممن يُقال أنهم من المسلمين، من دين الإسلام، لأنهم لا يعرفون الإسلام بما تسليم الوجه لله، بل بما هو قناعٌ لتسليم الناس– أو حتى إستسلامهم– لهم، بدلاً من الله. فإنه إذا كان القصد من تسليم الناس وجوههم لله وحده، هو تحريرهم من الخضوع لكل آلهة الأرض الزائفة، فإن ما يجري من تحويل الدين إلى قناعٍ لإستعباد الناس وتيسير السيطرة عليهم لا يمكن أن يكون من قبيل الإسلام أبداً. إن ذلك يعني أن التحول من الدلالة القرآنية للفظة “مسلمين“، التي يعني فيها الإسلام “تسليم الوجه لله“، إلى الدلالة التاريخية التي تقصر المعنى على أتباع النبي محمد عليه السلام، فحسب، يؤشر على تزايد التعامل مع الإسلام كآداة للسيطرة على العباد، وذلك على حساب ما أراده الله له من أن يكون طريقاً لتحريرهم جميعاً من كل ضروب الطغيان والإستعباد. ولعل ذلك يكشف عن عدم إنضباط مفهوم “غير المسلم“؛ وأعني من حيث تبقى المسافة قائمة بين المعنى الذي يصرفه إليه “القرآن” من أنه “من لا يُسلِم وجهه لله“، وبين المعنى الذي فرضه عليه “التاريخ” من أنه “من لا يتبع نبوة محمد عليه السلام“. وبالطبع فإنه لا مجال للإحتجاج بأن معنى الإسلام، بما هو تسليم الوجه لله، قد تحقق على الوجه الأكمل مع نبوة النبي الخاتم (محمد عليه السلام)، فإن القرآن يتضمن بين جنباته ما يزحزح هذا الإعتقاد؛ وذلك حين يمضي إلى أن ثمة من اليهود والنصارى والصابئة من يتشارك مع المؤمنين بنبوة محمد عليه السلام في تسليم الوجه لله حقاً، وأنهم– لذلك– “لهم أجرهم عند ربهم…ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون“. إذ يقول تعالى: “إن الذين آمنوا (يعني بمحمد) والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم…البقرة: 62″. وهكذا فإن القرآن لا يقصر معنى الإسلام بما هو “تسليم الوجه لله“- حتى بعد إبتعاث النبي محمد عليه السلام– على المؤمنين بنبوته فحسب، بل إنه يتسع به ليشمل غيرهم أيضاً. وغنيٌّ عن البيان أن ذلك يرتبط بحقيقة أن مدار تركيز القرآن هو على فعل “تسليم الوجه لله وحده“، وليس على الباب الذي يتحقق من خلاله هذا الفعل، وحتى على فرض أن القرآن يمضي إلى أن الباب الأكمل لتحقق هذا الفعل هو باب النبي محمد عليه السلام، فإنه لم يدحض إمكان تحققه من غير هذا الباب أيضاً.
يبدو، إذن، أن التاريخ، وليس القرآن، هو ما يقف وراء تثبيت الدلالة المستقرة للآية القرآنية “إن الدين عند الله الإسلام“، وهو ما يدرك من يستدعي هذه الآية أنه سيلعب دوراً حاسماً في توجيه المُتلقين لها إلى إنتاج ذات الدلالة المستقرة. وهو يدرك أيضاً أن إثارة المعنى السيمانطيقي المتداول في القرآن للفظة “إسلام” سيؤدي، لا محالة، إلى زحزحة الدلالة التي قام التاريخ بترسيخها، ومن هنا أنه يسكت عنه تماماً، رغم ما يبدو من ظهوره الجلي في القرآن. فهل يدرك المتلاعبون سياسياً بالإسلام أنهم ينحازون للتاريخ على حساب القرآن؟
* This blog post was first published in Al-Ahram, September 20, 2012. It can also be found on Professor Mabrouk’s website here.
© International Qur’anic Studies Association, 2013. All rights reserved.